يُكنى بأبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي ، حليف بني زهرة ، والذي كان قد تحالف في أعقاب صلح الحديبية ، مع أبي جندل بن سهيل بن عمرو ؛ هذا الذي شارك في المجموعة التي خرجت ، لتقطع الطريق على المشركين ، ونال الشهادة في عراكه معهم ، وتلك هي قصة عتبة بن أسيد مع النبي ، صلّ الله عليه وسلم .

عندما عاد النبي الكريم ، إلى المدينة المنورة مرة أخرى ، إذا بالضعفاء ممن أسلموا في مكة ، قد اشتد بهم العذاب ، حتى أنهم لم يعودوا يطيقونه ، إلا أن أبي بصير أو الصحابي الجليل عتبة بن أسيد ، قد استطاع أن يهرب من محبسه .

فمضى من مكانه ، وهو يسير حثيثًا ويخطو وقلبه يخفق ، وهو يمني نفسه ، بصحبة النبي الكريم ، وأصحابه حتى أنه ظل يطوي الصحراء ، وقدماه تحترقان تحت وطأة لهيبها ، حتى وصل إلى المدينة ، فذهب إلى مسجدها ، ودخل ليجد النبي قد جلس مع أصحابه ، فنظروا له فوجدوا أبو بصير يدخل عليهم ، وقد لاح عليه آثار التعذيب وشقاء السفر ومعاناته .

موقف أبي بصير مع الرسول صل الله عليه وسلم :
عندما عاد رسول الله ، صلّ الله عليه وسلم ، إلى المدينة وجلس بها ، إذا بأبي بصير عتبة بن أسيد ، قد أتى إليه ، فكتب كل من أزهر بن عبد عوف ، والأخنس بن شريق الثقفي ، إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وبعثا بكتابهما إليه ، مع رجل من بني عامر ، ومولى لهما.

وكان كتابهما للرسول ، صلّ الله عليه وسلم ، أن يرد إليهم أبو بصير عتبة بن أسيد ، فلما قرأ رسول الله لكريم كتابهما ، دعا إليه عتبة بن أسيد ، وأبلغه قائلاً أن قومه قد صالحوهم ، على ما فعل عتبة ، وأن المسلمين ليسوا بخائنين ، وطلب منه اللحاق بهم ، فنظر إليه عتبة بن أسيد ، في دهشة بالغة ، وسأله كيف يتركه لمشركين يفتنونه عن دينه ، الذي ارتضاه الله له .

هنا أجابه رسول الله ، قائلاً اصبر يا أبا بصير ، فسوف تنال مخرجًا وفرجًا ، أنت ومن معك من المستضعفين ، ممن آمنوا بالله ورسوله ، فخرج أبو بصير برفقة الرجلين ، أثناء سيرهم جميعًا ، جلس الثلاثة إلى جوار سور جدار ، فنظر أبو بصير إلى العامري ، ثم نظر إلى سيفه ، وسأله إن كان يأذن له به ، فقال له الرجل خذه ، فإذا بأبي بصير يستل السيف ، ويضرب به عنق العامري فقطعه .

انطلق المولى يركض ، صوب مجلس رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وما أن رآه الرسول الكريم ، حتى قال لأصحابه هذا رجل قد رأى فزعًا ، فلما أقبل المولى قال لرسول الله ، لقد قتل صاحبكم صاحبي ، ولم يخرج من مكمنه حتى أتى أبو بصيرة ، يحمل السيف وهو ينز دمًا وقال لرسول الله ، أنه قد أنجاه الله من المشركين ، بعدما رده رسول الله إليهم ، وطلب منه أن يضمه إلى صفوف المسلمين .

فتذكر الرسول عهده مع قريش ، فرفض أن يضمم عتبة بن أسيد إليهم ، فقال له أبو بصير يا رسول الله ، أعطني رجالاً أفتح لك مكة ، فأمره النبي الكريم بالعودة ، فأطاع أبو بصير ، ولم يباغض المسلمين أو يخونهم ، فهو لم يبتغ غير وجه الله .

خرج أبو بصير ونزل بمنطقة العيص ، وكانت تقع في الطريق بين مكة والشام ، وهناك سمع المسلمون بمنزل أبو بصير ، فلحقوا به وكانوا حوالي ستين إلى سبعين رجلاً ، ولم يكن هؤلاء يظفرون برجل من قريش ، إلا وأجهزوا عليه وقتلوه دون رحمة ، حتى أرسلت قريش إلى رسول الله ، صل الله عليه وسلم ، يسألونه بأرحامهم أن يترك رجاله رجالهم ، ولما كان بينهم عهدًا فعل الرسول ، وقدموا عليه من المدينة ، وكان أبو جندل ممن لحق بهم إليه .

وفاة أبي بصير :
كتب أبو جندل إلى رسول الله ، صلّ الله عليه وسلم ، يخبره أن أبو بصير يحتضر ، ولكنه كان قد مات والرسول الكريم ، يقرأ كتاب أبي جندل له ، فقام وصلى عليه هو ومن معه ، وأقام على قبره مسجدًا .

By Lars