منذ أكثر من ثلاثين عاما، تجلس الخمسينية منى سليم في غرفة بالطوب اللبن على آلة “النول” التي بدأت التعلم عليها قبل أن تصل العاشرة من عمرها.

رغم أنها لم تتعلم في كليات الفنون الجميلة، لكنها ورثت شغف مؤسس المركز رمسيس ويصا واصف، وولعه بالموروث الشعبي والبيئي المصري، والذي تجلى في إصراره على استثمار طاقات الأطفال والفتيات في قرية لم يكن يسمع بها سوى من على مقربة منها، حتى أصبح اسمها يتردد في العديد من العواصم ارتباطا بالمركز الذي أسسه واصف في خمسينيات القرن الماضي.

كانت منى ضمن الكثيرات من فتيات قرية “الحرانية” اللواتي ذهبن إلى مركز “رمسيس ويصا واصف” الذي أسس على طراز صديق للبيئة من “الطوب اللبن” المصنوع من الطين، والمحاط بالأشجار والزهور وحتى النباتات التي تستخدم في صبغة ألوان الخيط.

مدرسة الطبيعة

تقول منى في حديثها لـ”سبوتنيك”، أنها تخرجت من “مدرسة الطبيعة”، وأنها ترسم اللوحات على النول من الطبيعة المحيطة بها، سواء كانت الزهور في الحقول أو الحدائق، أو حتى الأفراح الشعبية وأشجار النخيل.

تستغرق اللوحة الواحدة من 5 إلى 8 أشهر على النول، وتستخدم فيها الخامات المصرية 100 % باستثناء “النيلة” والتي تستورد في بعض الأحيان لندرتها حاليا في مصر، حيث حيث يعتمدون على الخيط والصوف المصري المصنع محليا، كما يعتمدون على زراعة بعض النباتات والزهور التي تستخدم في صبغة الخيط الملون.

الجيل الثاني

كانت منى من الجيل الثاني الذي دخل إلى المرسم الذي فتح منذ البداية للإبداع الارتجالي من وحي الطبيعة، ولم تكن تظن أن لوحاتها ستعرض وتباع في عواصم عدة حول العالم، حيث تؤكد أن لوحاتها عرضت في الكثير من المعارض حول العالم، وأنها فخورة بما حققته.

المتحف

عند باب دخول المركز يجد الزائر نفسه أمام حديقة كبيرة بها العديد من الأشجار والزهور التي تغطي البنايات الطينية، وفي المقدمة يجد المتحف الذي تعرض فيها لوحات لكل الفنانين الذين يعملون بالمركز.

يضم المتحف نحو عشرات اللوحات الفنية مختلفة المقاسات والألوان والأشكال.

لوحات المتحف هي مشاهد من طبيعة الريف المصري، التي نقلت من أذهان النساجين إلى النول اليدوي البسيط.

تحمل ألوان الطبيعة ودرجات تناسقها بحرفية عالية نتيجة الإبداع الفطري الذي لم تتدخل فيه أي دراسة سوى تجسيد الطبيعة على النول.

رضا أحمد إحدى فنانات الجيل الثاني تعمل في المركز منذ 47 عاما، في المركز.

تؤكد في حديثها لـ”سبوتنيك”، أن جميع الخامات المستخدمة من القطن المصري، وكذلك الصوف.

من وحي الطبيعة

اعتادت رضا أن ترسم الطبيعة المحيطة بها على السجاد، الحدائق والحيوانات والزهور والمنازل، جميعها لوحات جسدت طوال السنوات الماضية على السجاد.

اختلف الوضع قليلا عن السابق تأثرا بتراجع حركة السياحة، هذا ما توضحه رضا التي تؤكد أن انتعاش حركة السياحة يؤثر عليهم بالإيجاب، ويعود بالنفع عليهم بشأن بيع اللوحات.

الجيل الأول

يوضح ألفونس غطاس مشرف مركز ومتحف رمسيس ويصا واصف، أن نحو 25 فنانا وفنانة هم الجيل الأول الذي بدأ العمل منذ الخمسينيات.

من بين الجيل الأول 12 فنانا وفنانة يرسمون بالنول نسيج صوف، و10 آخرين نسيج قطن رفيع، و3 آخرين يمارسون فن الباتيك الآسيوي وهو الرسم على القماش الأبيض بالشمع السائل، وفي المرحلة الثانية يتم صباغته، ثم يرسم على لون الصبغة الجديدة ويغلي القماش في مياه مغلية ليتبقى الرسم بالألوان المختلفة، وتستخدم جميع الألوان من الطبيعة.

يوضح ألفونس في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن رمسيس ويصا واصف حين أسس المركز بقرية الحرانية قرر أن يكون صديقا للبيئة من خلال الطراز الذي شيد عليه من الطين المجفف، كما حرص على زراعة الأشجار والزهور التي تدخل في المواد المستخدمة.

يوضح أن عمليات التدريب كانت من خلال كيفية استخدام النول والتعامل عليه واستخدام الأدوات، بينما ترك عملية رسم اللوحات لخيال الفتيات والأطفال في ذلك الوقت، لتستوحى من الطبيعة.

صديق للبيئة

شيد المركز الذي يضم المتحف والمرسم والحديقة على شكل القباب والأقبية بأساليب قديمة تحترم البيئة من الطين المجفف والذي كانت تشيد منه المنازل قديما في معظم أنحاء مصر قبل.

يتميز هذا النوع من البناء بأنه يحافظ على درجة الحرارة داخل الغرف لتظل أقل بكثير مما هي عليه في الخارج، كما صمت الغرف بطريقة هندسية حيث وضعت بها بعض فتحات التهوية والإضاءة بالأعلى.

وحصل رمسيس، على جائزة “الأغاخان” عام 1983 تقديرا لأعماله وبنائه الفريد الصديق للبيئة.

درس رمسيس العمارة بكلية الفنون الجميلة في باريس، وحين عاد إلى مصر قرر إنشاء المركز ويطلق العنان لأبناء القرية ليصبح في ما بعد أحد أهم المراكز على مستوى العالم الصديقة للبيئة والتي تحافظ على التراث والصناعات اليدوية التلقائية.

بعد رحيل رمسيس واصف عام 1974 قررت عائلته استكمال المسيرة، متمثلة في زوجته صوفي وابنتيه سوزان وواندا، ومعهم بدأ الجيل الحالي في العمل حتى الآن.

المصدر : عرب سبوتنيك

By Lars