أوضح الفنان أيمن زيدان أنه عندما وجه انتقاده إلى انتخابات نقابة الفنانين السوريين، حدث سوء فهم شديد، لافتاً إلى أنه لم ينتقد أسماءً حينها، وأضاف: “بالنسبة لي كما نقول في سوريا (كل الناس خير وبركة)، اعتراضي كان على من لا يمتلك بسياق تجربته ومعرفته ما يؤهله لطرح مشاريع كبيرة لها علاقة بتطوير الدراما وصياغة آفاق جديدة لها وبالتالي سيكون ما طرحه أشبه ببيان انتخابي زائف”.


وأشار في حواره مع وكالة “سبوتنيك” إلى أن ما يسمى بالانتخابات الديمقراطية في البلدان المتخلفة، “للأسف هي مسألة معقدة لأنه يفترض ألا تكون مرتبطة بالتخلف والجهل، لذلك فكل الصيغ الديمقراطية المطروحة فيها خذلان حقيقي بسبب السهولة في شراء الإرادات الانتخابية بظل هيمنة الجهل والفقر والتخلف”.
وتحدث زيدان عن سبب عدم ترشحه لانتخابات نقابة الفنانين السوريين، مبيناً أنه كان له ومجموعة من الفنانين المعروفين تجارب سابقة “وفشل معظمنا في ذلك”، وأكد أن السبب يكمن في كون النقابة ليست اختصاصية، “ففي الدول المجاورة ولن أذهب إلى الدول الحضارية، هناك أكثر من نقابة للفنانين، بمعنى أن هناك نقابة للمهن التمثيلية، ونقابة للمهن الموسيقية، وأزيد أن هناك في مصر نقابة اسمها نقابة المهن السينمائية، بمعنى أن النقابة يجب أن تكون باختصاصاتها”، وعقب بالقول: “لو كان لدينا نقابة مهن تمثيلية لوحدها، كانت إمكانية الترشح قائمة لأنها ضمن اختصاصنا ولأننا على دراية بمشاكلنا الدرامية الحقيقية، لكن هذه النقابة في ظل شمولية اختصاصاتها تضيع أصوات المسكونين بالهم المعرفي الحقيقي ولا تستطيع أن تؤثر في صيغ التصويت المطروحة”.
أما عن سؤاله حول العمل الذي ترك أكبر أثر في مسيرته، والذي يمكن القول بأنه صنع أيمن زيدان، أجاب زيدان بأن صناعة الفنان لا يمكن أن تكون عبر مسلسل ما، “إنما هي حصيلة كل تجاربه وموهبته ومعارفه ولكن يمكن أن يكون هناك مسلسل يمكن أن يحقق حالة انتشار”، وأشار إلى أنه منذ تخرجه من معهد الفنون المسرحية عام 1981، عمل في المسرح سنوات طويلة، بالإضافة إلى بعض الأعمال السينمائية “التي كانت في المرحلة الاحترافية التأسيسية، بدءاً من أول فيلم وهو (أحلام المدينة) لمحمد ملص والذي كان محطة جداً مهمة في حياتي ومروراً بـ (الشمس في يوم غائم) مع محمد شاهين، و(الطحالب) الذي كان أول بطولة سينمائية مطلقة من إخراج الراحل ريمون بطرس، وكذلك شاركت بمجموعة من الأعمال التلفزيونية مثل (نساء بلا أجنحة، لك يا شام، هجرة القلوب إلى القلوب، حصاد السنين، اختفاء رجل، ومسلسل الدغري)، حتى جاء عام 1993 وكان مسلسل (نهاية رجل شجاع)، الذي أعتبره نقلة نوعية، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الدراما السورية وحضورها، لذلك يمكن اعتبار نهاية رجل شجاع هو نقطة انعطاف مهنية”.
وعما إن كانت الدراما التلفزيونية قد نجحت بتجسيد واقع الحرب في سوريا، لفت أيمن إلى أنه خلال سنوات الحرب بالعموم، كان يوجد نوعان من المنتج الفني، “نوع يتعامل انفعالياً مع الحرب، وهذا حق مشروع، بمعنى صدى وتأثيرات الحرب المباشرة على الروح البشرية، وهناك نوع يكتسب قيمته بالتقادم الزمني ويستطيع أن يدخل إلى عمق هذه الحرب ويحلل معطياتها ونتائجها وانعكاساتها”، منوهاً إلى هذا النوع من الأعمال لا يمكن تحقيقه إلا بعد توضح كل ملفات هذه الحرب “كي يكون المبدع أكثر موضوعية في قراءة هذه الحرب المجنونة، ونذكر مثلا أن كثير من الأعمال التي تناولت الحرب الأميركية في فيتنام تم إنجازها بعد مضي سنوات على نهاية هذه الحرب، أي عندما أصبحت الصورة واضحة تماماً”، مشيراً إلى أن التعامل مع الحرب السورية بانفعال وجداني يعتبر طبيعياً في المراحل الأولى، ريثما تتوضح الحرب وسيناريوهاتها وتفاصيلها، وأضاف: “لذلك يمكن اعتبار أن الدراما السورية حاولت أن تلامس الأزمة، ولكن تلفزيونياً لم تستطع الغوص في عمق الأشياء، لأن الدراما التلفزيون أصلاً محكومة بشروط تسويقية واستهلاكية لا تتيح لها فسحة كافية للتأمل، ومن جهة أخرى للأسف لم ينجز مشروع تلفزيوني وطني غير ربحي من أجل توضيح حقيقة الصراع الذي يجري، وما زلنا مقصرين في هذا المجال بصراحة”.
أما فيما يتعلق بمسار الفن في سوريا، أكد زيدان أن هناك أزمة ثقافية بالعموم، “وللأسف هناك إحساس وهذا رأي شخصي، بهيمنة ما يشبه العقم الإبداعي ليس فقط في سوريا وإنما في المنطقة العربية بشكل عام”، منوهاً إلى أننا حتى الآن إذا أردنا أن نتحدث عن الرواية السورية، نجد أنفسنا نعود في الزمن لأكثر من ربع قرن، إلى فارس زرزور وحنا مينا وحيدر حيدر وغيرهم من رواد الرواية السورية، كما إذا أردنا الحديث عن الشعر، فإننا نعود إلى الماغوط ونزار قباني وبدوي الجبل، “إذاً للأسف هناك حالة من الكمون والعقم الإبداعي نتيجة عوامل عديدة لا مجال للبحث فيها الآن”. وتابع “لكن بتقديري وسبق وقلت هذا منذ مطلع عام 2000، إن الدراما السورية بدأت بالتراجع والانحسار باستثناء بعض المشاريع القليلة التي امتلكت قيما معرفية وجمالية”، مشيراً إلى أنه منذ ذلك الوقت دخلت الدراما نفقا غير مبشر، ومن ثم جاءت الحرب السورية لتزيد صعوبات الإنتاج الناجمة عن مجموعة قرارات سياسية خارجية حاصرت المنتج السوري وحدت من إمكانية توزيعه وبالضرورة حين يفتقد المسلسل إمكانية التصدير أو التسويق يتحول إلى منتج رخيص”، مؤكداً أن هذا واحداً من أسباب ابتعاده عن العمل في التلفزيون لأكثر من خمس سنوات.
كما عبّر عن عدم تفاؤله بواقع الثقافة عامةً، وبمستقبل الدراما التلفزيونية على وجه الخصوص، “من المؤكد أن هناك أسباباً لهذه القراءة التشاؤمية، منها قصور المؤسسات الرسمية المعنية في رعاية هذه الدراما والحرص على تطويرها وترسيخ نجاحاتها، وكذلك غياب المشروع الفني البديل والمتحرر من هيمنة السوق وآليات التسويق الرديئة إضافة لغياب المنتج الفنان، وهيمنة رأسمال يروج لدراما فارغة ومنزوعة الدسم”، لافتاً إلى أن أحد الأمثلة هو حين كرست الدراما مفهوماً جديداً للبطل الدرامي، وحولته من بطل شعبي كان يقاوم الاحتلال والطغاة أو يواجه الفقر والقهر الاجتماعي، ويكرس قيماً نبيلة ومنظومات أخلاقية إيجابية، إلى بطل ينحدر من قاع السلم الاجتماعي، منتمياً إلى عالم البلطجة والمخدرات، “لذلك أعتقد أنها مرحلة موجعة، وأنها مرحلة (كورونية) بامتياز”.
وحول ما إن كان اتجاه عدد من الفنانين السوريين إلى الأعمال العربية المشتركة خلال فترة الأزمة، أثّر على الدراما في سوريا، أجاب أيمن: “أولاً، لا أحب أن أكون بموقع الحكم أو القيم على مشاريع زملائي الآخرين، وهذا ما لا أهواه وليس من اختصاصي، هي خيارات مفتوحة للناس أن تعمل ما تشاء، لكن يبقى رأينا بقيمة ما أنجزه هؤلاء، وهل ما أنجزوه كان قيما أم لا؟، عند الإجابة على هذه الأسئلة يمكن الحكم على هذه التجارب”، وعما إن كان لغيابهم أثر على الدراما السوريّة، أوضح زيدان أنه حين تتأثر دراما ما بغياب بعض الممثلين، فهذا يعني أن هذه الدراما بالأساس دراما غير أصيلة وقائمة أساساً على أعمدة من قش، “أنا شخصياً أعتقد أن الدراما التلفزيونية ليست مرتبطة بفكرة النجم، بل مرتبطة بفكرة المشروع أكثر، وطالما أنه لا يوجد هناك شباك تذاكر أو نظام الكابل، فلا وجود لمفهوم نجم تلفزيوني، وبالتالي معيار النجومية مرتبط بصيغ أخرى غير موجودة في التلفزيون العربي”. وأضاف: “غياب بعض الممثلين السوريين، لم يؤثر بشكل فعال على الدراما السوريّة، وما يؤثر في غياب هؤلاء هو الافتقاد الإنساني وليس المهني، حيث كنا نتمنى أن نبقى عائلة وأن ننجز معاً مشاريع نرسخ فيها صورة وطن ولدنا فيه، وننتمي إليه ويفترض أن تكون جذورنا ضاربة في أعماقه”.
ونوّه إلى أن معظم أروقة تسويق الدراما مرتبطة بعلاقات ما تسمى “الطاولة” وبأروقة فساد فني واقتصادي، معقباً: “فلا يكفي عندما نصنع مسلسلاً جيداً أن نضمن تسويقيه، وإلا كنا جميعنا سنعمل بهذه الطريقة”.
وأكد زيدان أنه اتجه للإخراج السينمائي، لأن الدراما التلفزيونية بحالتها الراهنة لم تشجعه على العمل بها، وعقب: “طبعاً مع احترامي لبعض الاستثناءات القليلة أو النادرة جداً، كي لا أعمم، لكن الصورة العامة محبطة، وجدت في السينما فسحة أكبر للتعبير عما أحس به”، مشيراً إلى أن كل ما يفعله، هو أنه يعكس ما رمته الحرب من ظلال على روحه، من خلال تقديم منجز حقيقي وصادق، يحاول الدخول إلى أروقة الحرب وتأثيراتها على البنية المجتمعية السوريّة. وأضاف: “قدمت في فيلم (أمينة) نموذجاً للمرأة السورية، والأم العظيمة، التي استطاعت أو حاولت طوال الوقت جاهدة أن تستمر في الحياة، رغم كل التحديات، وكانت أيقونة حقيقية في الحرب السورية، وكذلك في (جبال الشمس) قدمت أماً في رحلتها الموجعة لاستعادة جثمان ابنتها من منطقة سيطر عليها المسلحون، وفي (غيوم داكنة) رويت حكاية رجل قرر بعد غياب طويل أن يعود، بعد أن أحس بالمرض، ليموت في نفس المكان الذي ولد فيه يوماً، كما رحلة السلمون، عاد إلى مدينته المدمرة وأصبح شاهداً على خراب لم يألفه من قبل”، آملاً أن يكون قد وُفّق في هذه التجارب.

By Admin